الخلق الحسن

الخلق الحسن

الأنبياء يُحِبُّونَ أنْ يكونُوا مع المؤمنينَ المتواضعينَ الذينَ قلوبُهُم مُنكَسِرةٌ

الأنبياءُ لا يُحِبُّونَ المتكبِرِينَ، بل يُحِبُّونَ أنْ يكونُوا مع المؤمنينَ المتواضعينَ الذينَ قلوبُهُم مُنكَسِرةٌ للهِ تعالى، الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ طَلَبَ مِنْ رَبِّهِ:"اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسكينًا - أي مُتواضعًا - وأَمِتْنِي مِسكينًا - أي واجعَلْ ءاخرَ أحوالي في الدنيا التواضعَ - واحشُرنِي في زُمرَةِ المساكِينِ". أي المتواضعينَ. ليس معنى الحديثِ أن لا يرزقَهُ كفايتَهُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبرنا في القرءانِ بأنَّهُ رُزِقَ كفايتَهُ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى﴾ سورة الضحى/8. ومعنى ﴿فَأَغْنَى﴾ أي أنالَهُ كفايتَهُ، فهذا الحديثُ مُتَفِقٌ معَ الآيةِ.
المسكينُ يطلقُ على مَعنَيَيْنِ: الفقيرِ الذي لا مالَ لَهُ يكفيهِ، والمتواضعِ الذي ليسَ فيهِ تَكبُّرٌ، ولو كَانَ غنيًّا لا ينظرُ إلى الفقراءِ نظرةَ احتقارٍ ولا يُهينُهُم أو يسخَرُ منهُم. وهذا الأخيرُ هو الذي طَلَبَ رسولُ اللهِ أن يكونَ بصفتِهِ وذلكَ لأَنَّ الأنبياءَ ينظرُونَ إلى أنَّ العبادَ كلَّهُم تَحتَ مَجارِي أقدارِ اللهِ تعالى، فالضعيفُ والقويُّ لا يتجاوزُ ما قَدَّرَ اللهُ تعالى لَهُ. أولادُ رجلٍ واحدٍ من أمٍّ واحدةٍ هذا يَطلَعُ نشيطًا قويَّ الحركةِ وهذا يَطلَعُ ضعيفًا بليدَ الذهنِ، لِمَاذَا؟ ذلكَ لأنَّ اللهَ تعالَى هو المتصرفُ بعبادِهِ كيفما شاءَ.
فالأنبياءُ والأولياءُ يَعرِفُونَ أنَّ كُلَّ إنسانٍ يكونُ تَحتَ تصرفِ اللهِ تعالى، فإنْ رَأَوْا إنسانًا نشيطًا ذكيًّا كانَ ذلكَ بعونِ اللهِ تعالى، والذينَ تكونُ حالتُهُم بعكسِ ذلكَ يعلمُونَ أنَّ اللهَ تعالى قَسَمَ لَهُم بِهذهِ الصفةِ.
فاحرصوا عبادَ اللهِ على تصفيةِ قلوبِكُمْ مِنَ الكِبرِ، مَنْ كانَ على هذا الخُلُقِ الذميمِ فليداوِ نفسَهُ الأمَّارةَ بالسوءِ بخدمةِ الفقراءِ والمحتاجينَ وبتركِ التعالي عليهِم والالتزامِ بقَبولِ الحقِّ سواءٌ كان صادرًا من كبيرٍ أو صغيرٍ، وحقيرٍ أو أميرٍ، إذ لا يخفى ما في منـزلةِ التواضعِ من شرفٍ عظيمٍ وقدرٍ رفيعٍ، كيفَ لا والنبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: "ما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَهُ اللهُ" رواهُ مُسلمٌ،بل كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أشدَّ الناسِ تواضعًا في علوِّ منصِبِهِ.
فما أعظمَ توفيقَ مَنْ ءامنَ بِهِ وصدَّقَهُ واتَّبعَهُ في كُلِّ ما وردَ وصَدَرَ. وما أعظمَ شقاءَ مَنْ كَفرَ بهِ وكذَّبَهُ، نسألُ اللهَ التوفيقَ للاقتداءَ بِهِ في الأخلاقِ والأفعالِ والأحوالِ والأقوالِ بمنِّهِ وسَعَةِ جُودِهِ ءامينَ.